وصفة “ديكارت” لنهوض العرب ؟! – د. محمد عجلان

شكّ ديكارت فى وسائل المعرفة المتمثلة فى الحواس والعقل، واعتبر أن الحواس تخدعنا فى كثير من الأحيان، وأنه لا يجب أن نعتمد على من يخدعنا ولو لمرة واحدة، فالحواس تصور لنا القمر جسماً صغيراً وهو فى حقيقته ضخم، وتصور لنا السراب ماءً وهو ليس بماء. وبخصوص العقل، تصور ديكارت أنه من الممكن أن يكون العقل مصاباً بفيروس سمّاه ديكارت “الشيطان الماكر”، يقوم هذا الفيروس أو الشيطان الماكر بخداعنا منذ ولادتنا، ويصور لنا الأمور على غير حقيقتها، كأن تفتح مثلاً فيلم تايتنك فيظهر لك سعيد صالح وسهير المرشدي في مشهد ساخن، وبحكم أنك لا تعرف شيئاً عن تايتنك ولم تشاهده من قبل، تعتقد أن سعيد صالح وسهير المرشدي هما بطلا الفيلم.

وبعد هذا الشك فى وسائل المعرفة هُدمت كل المعرفة، لأننا نعتمد على الحواس والعقل فى معرفة كل شيء، وفى حال شكنا فيهما فقد شككنا فى كل المعرفة التي حصّلناها من خلالهما. وقد كان هدف ديكارت من كل هذا الشك أن يصل إلى يقين يقيم عليه معرفته؛ لأن المعرفة التي لا تقوم على أساس سليم من السهل أن يتم هدمها في أية لحظة، كأنك أقمت بيتا على فوهة بركان. وقد توصل لما أراد، وكان الشك هو المدخل الأساسي لليقين المعرفي المطلوب، فقال إنني أشك فى كل شيء، وبالتالي أنكر كل شيء، ولكن يبقى شيء واحد لا يمكنني إنكاره وهو “أني شك”، والشك نوع من التفكير، وبالتالي “أنا أفكر”، وطالما أني أفكر، فأنا موجود؛ لأنه لا يمكن لي أن أفكر إلا إذا كنت موجودا، فأنا موجود طالما أقوم بعملية التفكير، ووصل إلى ما يسمى بـ “الكوجيتو الديكارتي” وهو: “أنا أشك، إذن أنا أفكر، إذن أنا موجود”. وبدأ من هذا النقطة بناء معرفته التي يريدها، وأثبت من خلال هذا المبدأ وجود نفسه ومن بعده وجود الله ثم وجود العالم بعد ذلك.

قام بذلك الشك فى كل شيء، ووصل من خلاله إلى إنكار كل شيء بدءاً من وسائل المعرفة، مروراً بوجوده ووجود الله ووجود العالم، وصولاً إلى هدم بنيان المعرفة كله. إلا أن العقل العربي غير قادر أو على الأقل غير قابل لممارسة دور أخف، وهو الشك فيما وصلنا من معارف عن القدماء، لا الشك فى صحتها، ولا الشك فى حقيقة قائليها، ولا الشك فى مصداقية ناقليها، وبعد كل هذا نريد أن نقيم معرفة وننهض بأمة كاملة. رغم أن السابقين من عقلاء هذه الأمة عرفوا دور الشك وضرورته، فقد سبق الإمام الغزالي حجة الإسلام ديكارت فى القيام بعملية الشك، بل قيل إن ديكارت تأثر بالغزالي بشكل كبير، ويظهر هذا لكل من يقرأ كتاب المنقذ من الضلال للغزالي ويقارنه بما قاله ديكارت. وقد قال الغزالي بشكل لا لبس فيه: من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في متاهات العمي. لكن يبدو أننا نرى أن متاهات العمى هي عين المعرفة، وأن اليقين المطلق الذي لا يقوم على أساس من التفكير الواعي هو نوع من الإيمان أو حسن الأدب مع سابقينا، رغم أن هؤلاء السابقين أنفسهم شكوا وفكروا وطالبوا غيرهم بالشك والتفكير، لكن يبدو أننا وصلنا إلى فكرة أكثر إراحة لنا وهي “التفكير بالنيابة”، فقد فكّر السابقون بالنيابة عنا، ولا عز لنا إن خرجنا عن عصمتهم !